اقتربت مصر وإيران في الأشهر الأخيرة من مصالحة دبلوماسية غير معلنة، بعد أكثر من أربعة عقود من القطيعة والعداء. رصد فوجار خليلوف في تقريره مساعي الطرفين لإعادة بناء العلاقات، مدفوعَين بضرورات استراتيجية لا بتقارب أيديولوجي.
نشر موقع كاليبر هذا التحليل في سياق الحديث عن التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث دفعت الأزمات المتشابكة كلا البلدين إلى إعادة النظر في مواقفهما التقليدية، والسعي إلى موازنة النفوذ في الإقليم من دون صدام مباشر.
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحوّلًا لافتًا مع اقتراب مصر وإيران من إعادة العلاقات بعد قطيعة دامت أكثر من أربعة عقود. لا تنبع هذه الانفراجة من تقارب أيديولوجي، بل تمثل تحوّلًا براغماتيًا فرضته أزمات متداخلة وإعادة تشكيل للتحالفات الإقليمية، إلى جانب ضرورات جيوسياسية ضاغطة.
تعود جذور القطيعة بين القاهرة وطهران إلى عام 1979 بعد توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، وما تلاها من الثورة الإسلامية في إيران. احتضان القاهرة للشاه المخلوع، ودعمها للعراق في حربه مع إيران، زاد من حدة التوترات. طوال عقود، ظلت العلاقات مجمدة، لم تكسرها إلا محاولات محدودة لم تحقق تقدمًا يُذكر.
في الآونة الأخيرة، اتخذت طهران خطوة رمزية عبر تغيير اسم شارع في العاصمة الإيرانية كان يحمل اسم خالد الإسلامبولي، قاتل الديكتاتور المصري أنور السادات، وأطلقت عليه اسم حسن نصر الله، زعيم حزب الله الراحل. وصف مسؤولون مصريون هذه الخطوة بأنها "العقبة الأخيرة" أمام التطبيع، مما يعكس استعدادًا متبادلًا لتجاوز الملفات الشائكة من أجل التعاون المستقبلي.
يأتي هذا الانفتاح في سياق تحديات إقليمية مشتركة، أبرزها التهديدات الأمنية في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين على الملاحة، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها مدعومة من إيران. بالنسبة لمصر، التي تعتمد اقتصاديًا على قناة السويس، تسببت تلك الهجمات في خسائر كبيرة، ما يمنح القاهرة دافعًا قويًا لاستخدام علاقاتها مع طهران للضغط في اتجاه التهدئة.
من جهتها، تسعى إيران لكسر العزلة الدولية المتزايدة نتيجة الضربات الإسرائيلية والأمريكية لمواقعها النووية والعسكرية. بناء علاقات مع مصر، بوصفها دولة عربية محورية وحليفة لواشنطن، يمنح طهران فرصة لإعادة التموضع إقليميًا وتوسيع حضورها الدبلوماسي، خاصة بعد تعثّر مشروع "محور المقاومة".
التحوّلات الجيوسياسية الأخيرة شجّعت هذا التقارب. وساطة الصين الناجحة بين السعودية وإيران أزالت إحدى أبرز العوائق أمام القاهرة، التي أصبحت الآن قادرة على التحاور مع طهران دون الإضرار بعلاقاتها مع الخليج. كما أدى الصراع في السودان إلى تقاطع مصالح نادر، إذ يدعم البلدان أطرافًا متنافسة هناك، مما خلق أرضية للتنسيق على الحدود الجنوبية لمصر.
من الناحية الاقتصادية، تعاني الدولتان من ضغوط شديدة. مصر ترزح تحت أزمة ديون خانقة، وإيران تواجه عقوبات طويلة الأمد. في هذا السياق، يصبح التعاون في مجالات مثل التجارة والسياحة الدينية خيارًا عمليًا ذا مردود ملموس.
رغم ذلك، تبقى العلاقة محفوفة بالتناقضات. ارتباط مصر الوثيق بالولايات المتحدة، والتزامها باتفاقية السلام مع إسرائيل، يتعارضان مع خطاب إيران المعادي لإسرائيل ودعمها لحركة حماس التي تصنّفها القاهرة كتهديد أمني مرتبط بالتمرد في سيناء. تأييد طهران لحماس يزيد من الفجوة بين الطرفين ويعقّد بناء الثقة.
مع ذلك، تتجه الدولتان إلى صيغة علاقة تقوم على المنفعة المتبادلة لا التقارب الفكري. اتفقت القاهرة وطهران على استئناف المشاورات السياسية المنتظمة، وبدأت ملامح إعادة رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بالظهور، ما يوحي بمرحلة جديدة من الانخراط المنظم.
يُظهر تحليل موقع Responsible Statecraft أن هذا التقارب، رغم أنه مرشح للتوسع، سيظل مضبوطًا بعناية وبمنهجية واقعية. تسعى مصر وإيران إلى "زواج مصلحة" لمواجهة تهديدات مشتركة مثل أمن الملاحة البحرية، واستقرار الإقليم، وإنقاذ الاقتصاد، دون الانزلاق إلى تحالف سياسي شامل.
في منطقة لطالما ميّزتها الخصومات المستعصية، يقدّم التقارب المصري-الإيراني نموذجًا جديدًا تُفرض فيه الشراكات الضرورية بفعل التحوّلات الجيوسياسية. ومع ذلك، يبقى مستقبل هذا التفاهم مرهونًا بقدرة الطرفين على إدارة خلافات عميقة وضغوط خارجية لا تقل صعوبة، مما يجعل هذا الانفتاح مجرد هدنة حذرة، لا بداية لتحالف دائم.
https://caliber.az/en/post/how-egypt-and-iran-are-quietly-redefining-middle-east-relations